الحرب تسرق الأمان.. الأطفال ذوو الهمم يعانون في مراكز الإيواء بلبنان
الحرب تسرق الأمان.. الأطفال ذوو الهمم يعانون في مراكز الإيواء بلبنان
تركت الحرب الإسرائيلية على لبنان أثرا عميقا على مختلف مناحي الحياة، حتى مراكز الإيواء التي تضم بين جنباتها أطفالا من ذوي الهمم، لم تسلم من آثار الحرب والدمار المستمرة في لبنان.
داخل أحد مراكز الإيواء المزدحمة في بيروت، تروي فاطمة، الأم لطفل يعاني من الشلل الدماغي، تفاصيل معاناتها في توفير احتياجات ابنها في ظل الظروف القاسية، وفق قناة "الحرة" الأمريكية.
تتحدث فاطمة بحزن لقناة "الحرّة"، عن نزوحها من الضاحية الجنوبية نتيجة النزاع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله، موضحة: "لم أكن أتصوّر أنّ ابني سيعيش في مكان يفتقر لكلّ شيء، لا خدمات طبية، لا خصوصيّة، ولا حتى إحساس بالأمان، حياتنا باتت مجرّد صراع يومي لتأمين الأساسيات".
ضحايا تهميش مزدوج
لم تكن مأساة فاطمة هي الوحيدة، أم محمد، التي نزحت من الجنوب مع طفلتها المصابة بشلل نصفي، تصف معاناتها قائلة: "لا أستطيع حملها طوال الوقت، والمركز ليس مهيأً لاستقبال أطفال بمثل حالتها، بالكاد نجد الماء والكهرباء، فما بالك بالخدمات الطبية!".
تسلط هذه الحالات الضوء على واقعٍ مرير يواجه مئات العائلات التي هربت من أهوال الحرب، لتجد نفسها في مراكز إيواء تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، تؤكد فاطمة: "أحيانًا أشعر أنني تركت الحرب لأدخل حربًا أخرى، حرب البقاء".
تعيش الأسر النازحة، وخاصة الأطفال ذوي الإعاقة، في ظروف صعبة تزداد معاناتهم بسبب غياب الدعم الطبي والاجتماعي.
تحديات مستمرة
وأوضح مصدر مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية، أنّ "الجهود تُبذل لتأمين مساحات خاصة للأطفال ذوي الإعاقة في مراكز الإيواء، خصوصًا أولئك الذين يعانون من حالات خاصة".
وأشار إلى أن الوزارة "تعمل على توفير غرف مهيأة لهذه الفئة لضمان بيئة تشبه بيئتهم المعتادة"، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في استدامة هذا الدعم وسط الموارد المحدودة والتحديات الاقتصادية.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية، فيكتور حجار، في وقت سابق، أن الوزارة بدأت بتوفير مساعدات مالية طارئة للأطفال ذوي الإعاقة، تشمل تمويلًا شهريًا بقيمة 40 دولارًا للأطفال بين 0-14 عامًا، بدعم من اليونيسف، بالإضافة إلى تمديد الدعم للشباب ذوي الإعاقة بين 15-30 عامًا، بتمويل من الاتحاد الأوروبي وهولندا.
ويعتقد المحامي، شربل شواح، أن "الاستجابة القانونية والمالية الحالية لا تزال غير كافية لتلبية احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة".
الحاجة لتغييرات جذرية
يشير شواح إلى أن "القوانين اللبنانية تضمن حقوق الأطفال ذوي الإعاقة، لكنها تفتقر إلى آليات تنفيذ فعّالة، خاصة في ظل النزاعات".
ويؤكد ضرورة "تعديل القوانين لتشمل احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة في النزاعات، وإنشاء مراكز متخصصة توفر خدمات شاملة لهذه الفئة، وتعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية لزيادة التمويل والدعم".
مبادرات إنسانية
وسط هذه الظروف الصعبة، برزت مبادرة إنسانية تحمل اسم "آدم"، التي أطلقها الدكتور علي زبيب لدعم الأطفال النازحين المصابين بطيف التوحد.
تهدف المبادرة إلى توفير بيئة تعليمية وتأهيلية تلبي احتياجات الأطفال المصابين بالتوحد، مع التركيز على تدريب الأهل وتمكينهم من التعامل مع تحديات أطفالهم.
وأوضح الدكتور زبيب أن المبادرة تواجه تحديات كبيرة في تأمين الدعم المادي والاستراتيجي لضمان استمراريتها.
وفي ظل معاناة الأطفال ذوي الإعاقة في لبنان، يظل الأمل الوحيد في تكاتف الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية لضمان وصول هذه الفئة إلى حقوقها الأساسية.
تمثل قصة مجد ومبادرة "آدم" أملًا وسط الواقع الصعب، وتذكرنا بأن حماية حقوق الأطفال ليست مجرد التزام قانوني، بل هي واجب إنساني يجب أن نسعى لتحقيقه في أقرب وقت.